العنف الجندري ضد النساء و الفتيات : المفاهيم و التفسيرات
مارس 1, 2014
قدّمت هذه الورقة في الملتقى الثقافي لنجيب الخنيزي بتاريخ يناير 2014
تقدم هذه الورقة عرضا للعنف الجندري و اهم النظريات في فهم أسبابه، كما تعرض لدراسة قامت بها مقدمة الورقة في مجال العنف الزوجي ضد النساء في المملكة العربية السعودية…
تختلف ممارسات العنف المبني على الجنس أو العنف ضد النساء بحسب الثقافات و مفاهيمها، إلا أنه يمكن تعريف العنف الجندري بشكل عام على أنه: “كل الأفعال العنيفة ضد المرأة التي ينتج عنها أو من المرجّح أن ينتج عنها أذى جسدي، جنسي، معنوي، أو اقتصادي أو أي معاناة للنساء أو التهديد بها بواسطة الإكراه أو المنع التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك بداخل الأسرة أو في الحياة الخاصة“، يشمل العنف ضد النساء بشكل غير حصري الأفعال التالية:
- العنف الجسدي، النفسي أو المعنوي داخل الأسرة، بما في ذلك التعذيب، و العنف الجنسي للطفلات، العنف المتعلق بتحصيل المهور، الاغتصاب الزوجي، ختان الإناث، و الممارسات التقليدية الأخرى الضارة بالنساء، العنف من الشريك الحميم و العنف المتعلق بالاستغلال
- العنف الجسدي، النفسي، أو المعنوي في المجتمع، بما في ذلك الاغتصاب، الاعتداء أو التحرش الجنسي و التخويف في بيئات العمل أو التعليم أو غيرها، و الاتجار بالنساء و الإجبار على الدعارة
- العنف الجسدي، الجنسي أو المعنوي الممارس أو المتفق عليه بواسطة مؤسسات الدولة، أينما حدث
تشمل ممارسات العنف ضد النساء التعقيم الإجباري أو الإجهاض الإجباري، استخدام وسائل منع الحمل تحت التهديد أو الإجبار، قتل الطفلات، و اختيار نوع الجنين بواسطة الآباء
و بسبب صعوبة تعريف الممارسات التي تشكل أفعال عنف ضد النساء و الفتيات بحسب الثقافات المتعددة و بسبب اختلاف وسائل قياس أفعال العنف كان من الصعب تقدير مدى انتشار العنف ضد النساء و مقارنته كظاهرة عبر المجتمعات، إلا أن منظمة الصحة العالمية و في محاولة لتقصي مدى انتشار الظاهرة قامت بإجراء دراسة شملت 10 دول باستخدام معايير و منهجية واحدة لقياس مدى تعرض النساء لمظاهر العنف و على الأخص العنف الزوجي، و ظهر من الدراسة أن هناك انتشارا كبيرا لظاهرة العنف ضد النساء خصوصا و في إطار العلاقات الحميمة خصوصا، و أن الآثار الصحية الموثّقة الناتجة عن تعرض النساء للعنف تشمل مجموعة من العواقب المباشرة كالإصابات و الوفيات و القتل و أن هناك آثارا غير مباشرة كالقلق و الاكتئاب و التغيب عن العمل و تدني الأداء العام و ضعف الرضا الزوجي و سوء العناية بالأطفال و القيام بالمهام الزوجية و الأسرية، و أكدت هذه النتائج دراسات مشابهة لقياس مظاهر العنف ضد النساء في عدد آخر من الدول، و تظهر الدراسات المنشورة في الدول العربية على محدوديتها أن هناك نسبة كبيرة من السيدات (بمعدل امرأة من كل 3 سيدات) تعرضن و يتعرضن لأحد مظاهر العنف في حياتهن و على الأخص من الشريك في الدول العربية…
تاريخيا تعاملت مختلف القطاعات كالقطاع الطبي و القضائي و الاجتماعي و النفسي مع ضحايا العنف، فظهرت مشكلة العنف كمبحث متعدد بين مختلف المدارس و المؤسسات، و بالتالي ظهرت نظريات مختلفة تفسر شيوع العنف كممارسة ضد النساء من مختلف المدارس العلمية و أهمها:
- التفسير البيولوجي للأفعال الإجرامية (العنف كنتيجة لإصابات بالرأس أو تطورات وراثية)
- التفسير المتعلق بمجتمع المرأة (الأسرة كنواة لتصدير العنف في مجتمع متسامح مع العنف ضد المرأة، لا تفسر النظرية تعرض المرأة باستمرار للعنف دون الرجل)
- التفسير المتعلق بالنظام الاجتماعي (تفاوت نسب العنف ضد المرأة عبر المجتمعات يفسر دور المجتمع في تمرير و قبول العنف ضد النساء، العنف يتحول عبر الملاحظة و التقليد لسلوك و تتعلم النساء الخضوع و القبول بممارسته)
- التفسير النسوي للعنف ضد المرأة (تخضع النساء لحكم “الأب”، و تتفاوت القوة بين الجنسين في العلاقات بينهما، مما يمنح الرجال مبررا لاستخدام القوة لإبقاء مناطق القوة و نفوذ الرجال مجتمعيا و إخضاع النساء في أدوارهن المتوقعة، لا تفسر النظرية شيوع العنف بين الشركاء من نفس الجنس أو عنف النساء ضد الرجال)
- التفسير الطبي/ النفسي (أغلب المعنفين مصابون بمرض اضطراب الشخصية، و تقدم بديلا لتفسير النظرية النسوية للعنف في التسعينات)
- التفسير البيئي للعنف (ظهر لتفسير العنف ضد الأطفال، و تطور مؤخرا لتفسير العنف ضد النساء، يشمل هذا النموذج مجموعة من العوامل المسببة للعنف في مختلف محاور حياة المرأة:
- المستوى الشخصي: التجارب العنيفة في الطفولة، مشاهدة ضرب و تعنيف الأم، غياب الأب لدى المعنّف
- المستوى الحميم: العلاقة مع زوج مهيمن أو متحكم بالموارد المالية، النزاعات المستمرة، الزوج المدمن، (تعدد الزوجات)
- المستوى الاجتماعي: بطالة الزوج، المستوى الاقتصادي و التعليمي الأدنى، عزلة المرأة عن الدعم الاجتماعي (عائلتها و أصدقائها)، و مرافقة الزوج لأشخاص عنيفين أو ممارسته العنف ضد الآخرين
- المستوى المؤسسي/ القيم الثقافية (لدى الجنسين): سيادة الرجال، جمود الأدوار المتعلقة بالجنسين، أحقية الزوج بالتحكم بتصرفات و إرادة الزوجة، القبول بتأديب الزوجات، و الثقافة القابلة باستخدام العنف كوسيلة لحل النزاعات
- الدول العربية و عوامل شيوع العنف ضد النساء
في الدول العربية تغيّب مجموعة من العوامل ظاهرة العنف ضد النساء عن الإحصاء الوطني أو البحث العلمي و بالتالي تعرقل من إيجاد وسائل ناجعة للتدخل و إنقاذ الضحايا، فالتشريعات و القوانين العربية ترسّخ من اللامساواة بين الجنسين و تقيّد من قدرة المرأة على الطلاق و الإفلات من بيئة العنف و حماية أطفالها و تدعم أبوية المجتمع (إبقاء الرجل/ الأب في وضع أقوى يمكنه من التحكم بالمرأة و الأطفال) مما يزيد من خطر استمرار العنف ضد النساء و يقلل من فرص نجاتهن، كما أن الكثير من التشريعات و الممارسات التقليدية لا تجرم العنف ضد النساء بل تبرره عبر الدين أو الثقافة، و في كثير من الأحيان تقوم الجهات الصحية أو الأمنية أو القانونية بنصح المعنّفات بالإبقاء على مصلحة الأسرة و عدم التقدم بطلب إثبات للعنف أو خروج من أوضاع العنف على اعتبار أن مصلحة الأسرة أولى من مصلحة المرأة، و غالبا ما تشير الدراسات النفسية أن بلاغات النساء عن تعرضهن للتعنيف تقابل بالتجاهل أو الإنكار أو الطعن في الضحايا أنفسهن و شهاداتهن من القطاع الطبي أو الشرطة أو القضاء، و بالتالي تبرز مجموعة من العوامل الثقافية كسبب رئيسي في انتشار العنف الممنهج ضد النساء، كالأبوية، العادات و الأنماط التقليدية المتعلقة بدور المرأة و المتوقع منها كالخضوع لسلطة الرجل تحت أي اعتبار و عدم الخروج عن طاعته، و التبريرات الدينية لممارسات التعامل مع المرأة، كما أن نساء الدول العربية هن الأقل في التمكين الاقتصادي على مستوى العالم مما يزيد من الاعتماد المادي للنساء على الرجال و صعوبة استقلالهن عن الرجال حتى مع تعرضهن للعنف، و تضع العوامل الدينية و الثقافية النساء السعوديات في خطر التعرض للعنف و استمراره كممارسات الفصل بين الجنسين بما يسببه ذلك من صعوبة الوصول للخدمات و إجراءات التقاضي و الوصمة الاجتماعية في التبليغ عن حوادث العنف في حال كان الجاني أحد أفراد العائلة، و قلة الحرية الممنوحة للنساء في التحكم بمصيرهن كمنع التنقل و الخروج و الاستقلال المعيشي مع تخصيص معظم الفرص و الموارد للرجال أو العائلات…
نسبة شيوع العنف ضد النساء في السعودية
تظهر الإحصاءات المتفرقة في السعودية شيوع العنف ضد النساء، حيث تعرضت ربع الحوامل للضرب أثناء الحمل مع عواقب الولادة المبكرة أو الإجهاض، و أصيبت معظم المتعرضات للعنف الجسدي في المدينة المنورة (63%) بإصابات خطيرة استدعت التدخل الطبي، في دراسة على 2000 سيدة في الإحساء كانت نسبة المتعرضات للعنف من أفراد الأسرة 11% أو امرأة من بين كل عشرة نساء تقريبا و كان الزوج هو أكثر الأكثر تعنيفا للنساء، و في دراسة للدكتورة نورة المساعد استطلعت فيها مدى تقبل الرجال و النساء في السعودية لاستخدام العنف ضد النساء ذكر 53% من الرجال استعدادهم لاستخدام العنف ضد النساء في حال عدم اتباعهن للتصرفات المقبولة و ذكر32% من الرجال أنهم استخدموا العنف بالفعل ضد زوجاتهم بسبب سوء تصرفاتهن، كما أكدت 36% من النساء في الدراسة قبولهن بممارسة العنف ضد النساء في حال سوء تصرفهن.
آثار العنف الصحية و الاجتماعية
العنف الممنهج ضد النساء هو سبب مباشر أو غير مباشر في حدوث مجموعة من الأمراض الجسدية و النفسية و التي تؤثر ليس فقط على الصحة الجسدية و الإنجابية و النفسية للمرأة و لكن أيضا على أفراد الأسرة المعايشين لهذا العنف و لو لم يتعرضوا له مباشرة، كما أن التعرض للعنف سبب في تدني النشاط اليومي و الانقطاع عن تأدية الوظائف الحياتية و اليومية و الوظيفية للنساء و لأفراد الأسرة…
في دراستي حول مدى شيوع العنف الزوجي ضد النساء في مراكز الرعاية الصحية الأولية في جدة، أظهرت45% من النساء (من بين 200 امرأة تم مقابلتها) أنهن تعرضن للعنف الجسدي من أزواجهن، كما أدى العنف إلى إصابة 18% من النساء بإصابات بليغة استدعت التدخل الطبي، و ذكرت 6.5% من النساء فقط أنهن أبلغن أحد أفراد الرعاية الصحية بسبب إصابتهن، و في خلال الدراسة تم استيضاح مدى تقبل النساء لعدم المساواة مع الزوج و مدى قبول النساء بالدور التقليدي (التابع) في الأسرة، كانت نصف النساء مؤيدات لسيادة الرجل في الأسرة و معظم النساء مؤيدات لعدم إخبار أي شخص خارج الأسرة بحدوث المشكلات الزوجية، أما موقف النساء من مبررات مقترحة (كعدم طاعة الزواج أو تأدية واجبها الزوجي أو مواجهته في حال الخيانة) لاستخدام الزوج للعنف الجسدي من الزوج ضد النساء فأظهرت 90% من النساء تقريبا رفضهن لاستخدام الزوج للعنف ضدهن تحت أي مبررات بينما أيدت نصف النساء تقريبا حق الزوج في ضرب زوجته حال اكتشاف خيانتها له، كما أظهرت الدراسة أن 70% من النساء معتمدات ماديا على الزوج و أن هناك علاقة هامة بين اعتماد النساء المادي على الزوج و تعرضهن للعنف الجسدي، كما أن النساء المتزوجات من رجال يستخدمون العنف لحل مشكلاتهم بشكل عام أكثر تعرضا للعنف، أظهرت الدراسة أن المتعرضات للعنف كن أكثر ميلا للتفكير بالانتحار و استخدام مضادات الاكتئاب من غيرهن…
تتوقف محاولات حماية النساء من العنف الأسري على مجموعة من الأمور الهامة:
1. وهي مدى القبول بنمطية أدوار الرجل و المرأة و حق الرجل في تأديبها و التحكم في تصرفاتها و إرادتها
2. شيوع القبول الاجتماعي (الأسرة و المعارف و المدارس و المساجد) تحت الذرائع الدينية أو الثقافية للوم الضحايا و إعفاء المعنّفين
3. سوء التنسيق بين الجهات المختلفة في تحمل مسؤوليتهم و الاستجابة لاحتياجات الضحايا
4. تعقيد إجراءات الطلاق وتبعاته الجسيمة على النساء و الأطفال قانونيا
5. ترسيخ نظام الولاية على الراشدات و وضع الرجال في موقع التحكم بمصير و حياة النساء في الأسرة
6. ضعف دور التنشريعات في تجريم العنف ضد النساء و معالجته بشكل فردي و قاصر لا يخدم احتياجات الضحايا…
إن العنف ضد النساء ليس فقط مشكلة فردية و لكن جذورها تاريخية و مجتمعية و دينية و ثقافية، و الحل يبدأ من الاعتراف بقصور الأوضاع الحالية عن لجم العنف و حماية الضحايا و إعادة البحث في القيود المفروضة على النساء و التي تقيد من إفلاتهن من بيئات العنف و إعادة تأهيلهن للحياة باستقلال و كرامة…